مع بداية الموسم الدراسي 2003-2004 بالمغرب خطت الأمازيغية أولى خطواتها في المدرسة المغربية. رغم أن البعض يعتبرون أن التجربة ولدت قبل أوانها، و ربما قد كان هناك تسرع في العملية برمتها أعتبر فيها العامل السياسي قبل العامل البيداغوجي. و بذلك فقد تم الإقرار بتدريس الأمازيغية في بعض المدارس الابتدائية المغربية قبل إعداد الكتاب المدرسي و مختلف الأدوات البيداغوجية المرافقة للتلقين كالقصص و الحكايات. علما أن المعلمين المكلفون بتدريس الأمازيغية لم ي تكوينا تكوينا كافيا حسب القواعد العلمية المعروفة في مجال التعليم عموما، و إنما خضعوا لتدريب سريع مرتجل - وبذلك بكون المشروع قد مر إلى التطبيق دون نضج كافة معالمه.
و يبدو أن القائمين على هذا المشروع وجدوا أنفسهم بين خيارين، إما تنزيل المشروع إلى التطبيق رغم نقائصه و إما المزيد من الانتظار رغم حدة المطالبة السياسية لتطيقه. إلا أنهم أخذوا بالخيار الأول رغم كل العراقيل التي يمكن أن تعترض طريقه و رغم المشاكل الكثيرة التي يمكنها أن تعترض طريقه. و كان من المفترض أن تكون البداية بإعداد الكتاب المدرسي و الكتب المرافقة له، علما أنه لم يتم الانتهاء من إعدادها لحد الساعة. و قد تم الاعتماد على بث القيم الكونية المستمدة من احترام الآخر و تجاوز منطق العداء في نفوس الأطفال، لاسيما و أنها قيم تستدعي الضرورة الحالية التأكيد عليها بفعل استهداف تجاوز الصورة الفولكلورية للثقافة الأمازيغية. تلك الصورة التي دأبت على إظهار الطفل الأمازيغي بجلباب و طاقية يتدلى المخاط من أنفه و يركب الحمار أو يرعى المواشي.
و قد مل القائمون على المشروع في إعداد الكتاب المدرسي على تصوير الحياة اليومية لطفل في فضاء مدينة متوسطة لتجاوز الصورة النمطية لأطفال القرى النائية أو المنعزلة و ذلك محاولة لتكون الصورة المقدمة أقرب ما يكون لواقع الطفل المغربي.
و الجميل في هذه التجربة أن الكتاب المدرسي لم يكن مجرد ترجمة لمواد جاهزة و إنما رام الاشتغال على مضامين منسجمة مع الثقافة الإنسانية ببعدها الشامل لأن المرمى ظل هو التوصل إلى تدريس الأمازيغية ليس كلغة فحسب و إنما كعنصر من العناصر الثقافية.
و مادامت التجربة في خطواتها الأولى بالمغرب تم الاتفاق على إجرائها في عينة من المدارس الابتدائية في هذا الموسم الدراسي (2003-2004) في المستوى الأول من التعليم الابتدائي قصد توسيعه إلى المستويات و المؤسسات التعليمية الأخرى تدريجيا، إلى أن تتم تغطية مختلف المستويات في التعليم الابتدائي و الإعدادي و الثانوي مع حلول سنة 2008.
و هكذا انطلقت التجربة في عينة مكونة من 317 مدرسة. و في انتظار الكتاب المدرسي الذي من المفروض أن يكون جاهزا في شهر دجنبر 2003، تم الاعتماد على دروس و توجيهات تربوية و معجم و تمارين سيعتمد عليها المعلمون كقاعدة أولية لتدريس الأمازيغية في انتظار صدور الكتاب المدرسي المرتقب. و في هذا الإطار استفاد أكثر من 1000 معلم من دورة تكوينية استغرقت أسبوعين و تضمنت 60 ساعة من التكوين همت بالأساس اللغة و الثقافة و الحضارة الأمازيغية.
و تجب الإشارة إلى أن واضعي المناهج التعليمة لم يعتمدوا على تقسيم الأمازيغية بناء على لهجها الثلاث المتواجدة بالمغرب (تمزيغت، ترفيت، تشلحيت) و إنما فضلوا في المقابل التقسيم الجغرافي الذي يجزأ المناطق الناطقة بالأمازيغية إلى شمال و وسط و جنوب.
و مهما يكن من أمر فان التجربة مازالت في بدايتها و مراحلها الجنينية، و مازالت جملة من الظروف الصعبة التي نشأت في رحمها، تواجهها. إلا أن أصحاب المشروع عازمين على خوض غمار التجربة مهما كانت التبعات.