هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 مفهوم الانتفاضة.. من خيار الثورة إلى نموذج التمكين المدني

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
toutrbi
عضو متميز
عضو متميز



عدد الرسائل : 37
تاريخ التسجيل : 19/10/2007

مفهوم الانتفاضة.. من خيار الثورة إلى نموذج التمكين المدني Empty
مُساهمةموضوع: مفهوم الانتفاضة.. من خيار الثورة إلى نموذج التمكين المدني   مفهوم الانتفاضة.. من خيار الثورة إلى نموذج التمكين المدني I_icon_minitimeالأربعاء أكتوبر 24, 2007 4:04 pm

Question كلمة "انتفاضة" تبلور النموذج الانتفاضي بشكل يبعث على التأمل في فلسفة -بل إن شئت فقل "عبقرية"- اللغة العربية؛ فهو دال يكاد ينطبق انطباقًا كاملا على مدلوله، وهو مصطلح يعود للمعجمين اللفظي والحضاري العربي الإسلامي. والكلمة مشتقة من فعل "نفض" مثل "نفض الثوب" يعني "حركه ليزول عنه الغبار أو نحوه". والكلمة على المستوى الدلالي المباشر تشير إلى حركة خلاقة تولد الجديد من القديم (النظافة)، وهي توحي في الوقت نفسه بعدم تجذر هذا الذي سيزول: الغبار الذي علا الثوب، أو الاستعمار الصهيوني الذي حط على أرض فلسطين. ويقال أيضًا "نفض المكان" أي "نظر جميع ما فيه حتى يعرفه" (وهذه حيلة معروفة لدى شباب الانتفاضة). ويقول أيضًا "نفض الطريق" أي "طهره من اللصوص". و"النفضة" هي "جماعة يبعثون في الأرض متجسسين لينظروا هل فيها عدو أو خوف".
وتحمل الكلمة أيضًا معاني الخصوبة؛ فيقال: "نفض الكرم" أي "تفتحت عناقيده". ويقال "نفضت المرأة" أي "كثر أولادها". والمرأة النفوض هي "المرأة كثيرة الأولاد" (مثل المرأة الفلسطينية)، وهناك تعبيرات مثل "نفض عنه الكسل" و"نفض عنه الهم"، وكذلك "انتفض واقفًا"، والكلمة بدلالتها وإيحاءاتها تفترض وجود قوة ما كامنة، كانت ساكنة ثم تحركت، وأن مصادر الحركة ليست من خارج النسق، وإنما من داخله. وهذا البعد يجعل كلمة "انتفاضة" (لا ثورة) مصطلحًا أكثر دقة في وصف ما يحدث؛ فالثورة تفيد الانقطاع (الثورة الفرنسية والثورة البلشفية)، أما الانتفاضة فتفيد أن الكامن قد أصبح ظاهرًا، وأنه وصل ما انقطع، ولم يقطع ما اتصل.
الفارق بين الانتفاضة والثورة

تمتلئ المكتبة العربية بدراسات كثيرة وكتب ومقالات حول "القضية الفلسطينية"، ويدور معظمها حول التاريخ المعاصر ونشأة الصراع العربي الإسرائيلي، وتطوره، والكفاح الفلسطيني، وقوى المقاومة الفلسطينية، والدوائر المختلفة للقضية داخليًّا وإقليميًّا/عربيًّا، ودوليًّا، ومسارات التسوية والتوازنات الدولية. ومنذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى صدر العديد من الأبحاث حول يوميات الانتفاضة وأثرها في الكيان الصهيوني. كما برز اهتمام متزايد بالأوضاع في ظل السلطة الفلسطينية وتوازنات القوى الفلسطينية ومستقبل مفاوضات السلام وأزمة التسوية الراهنة.
كل هذه الأدبيات ركزت على "القضية" و"الشعب"، وهي وحدات تحليلية هامة، لكنها من ناحية لا تعبر بدقة عن الإنساني/الشخصي/الفردي، ولا ترتفع إلى الفلسفي/النظري/المعرفي.
فالفلسطيني الذي يواجه في نضاله المجتمع الصهيوني الاستيطاني ليس شخصًا مجردًا أو كيانا نظريا، ولكنه إنسان: طفل وامرأة ورجل، وأدب وشعر، ورؤية مركبة للكون والحياة؛ ففلسطين جزء من تشكيل حضاري، والدولة الصهيونية أيضًا جزء من تشكيل اجتماعي وحضاري هو أوروبا القرن التاسع عشر وتجربتها الرأسمالية وأدواتها الإمبريالية الاستيطانية، وربما يكون المجتمع الفلسطيني اليوم هو حالة فريدة من "اللادولة" في مواجهة دولة محتلة استيطانية، ومثال بديل يتبنى اللامركزية أو السلطة الشعبية في مواجهة السلطة الباطشة التي تحتكر ترسانة القوة العسكرية (تأمل مأزق "السلطة الفلسطينية" في التعامل مع الانتفاضة، وحرص أطراف النزاع الإمبريالية على وجود "سلطة" فلسطينية).
والانتفاضة تختلف عن الثورة؛ فالتصعيد الثوري لا بد أن يأخذ شكل تصعيد رأسي وليس أفقي؛ بمعنى حتمية أن يكون هناك تزايد دائم في احتدام التناقضات، وفي تصاعد درجة الحرارة حتى تصل إلى درجة الاحتراق والاندلاع للمواجهة الحاسمة والعنيفة، ولذا أصبح الفكر الثوري مشغولا بـ"تهيئة الظروف الموضوعية لنشوب الثورة". ولأن النموذج الانتفاضي لا يتجه نحو التصعيد المستمر فهو لا يحاول أن يصل إلى الذروة، ولذا فهو يتوهج أحيانًا ويخبو أحيانًا أخرى. ولكنه لا ينطفئ أبدًا ولا يشتعل أبدًا، خلافاً للثورة بمفهومها السائد. كذلك فإنه يقوم على تفعيل الناس وتمكين الأمة وليس الكوادر الطليعية أو النخب، وليس يستهدف تأسيس دولة بعد النصر بل تأسيس كيان سياسي يجني فيه الناس حصاد جهادهم، ويكونون حاضرين في الإدارة السياسية اليومية، وبذلك لا تصادر قيادة الثورة الفعل الجماهيري بدعوى أنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، ولا يسعى القانون حينئذ لإلغاء العرف أو الشرع؛ لأن مصدره هو الناس الحاضرون في كيان تعاضدي، سياسته تعاونية جماهيرية، وليست سياسة "نيابية"، السلطة فيها بعد أن تتمأسس توظف القانون لتكون هي فوقه.
وقد وضع د/عبد الوهاب المسيري المفكر والكاتب الموسوعي المصري يده على النموذجين المعرفيين المتصارعين في فلسطين المحتلة، وكان أول من كتب في معالم "النموذج الانتفاضي" باقتدار وبصيرة. فما نشهده في الحالة الفلسطينية (والآن الحالة العراقية) ما أسماه المسيري: "نموذج التكامل الفضفاض"، وهو نموذج يسمح بوجود ثغرات بين الأسباب والنتائج وبين الجزء والآخر. فأجزاؤه ليست متلاحمة مع بعضها البعض فلا يسقط في الواحدية أو التلاحم العضوي. ورغم استقلال الأجزاء عن الكل وعن بعضها البعض فإنها ليست مفتتة ذريًّا؛ فهي في علاقة تكاملية بحيث يمكنها أن تنسق فيما بينها وأن تتفاعل.
ولذا فهو نموذج يعرف الاتساق والاستمرار والتكامل، ومع هذا يبقى لكل جزء من أجزائه استقلاله وكينونته وشخصيته وهويته. فالأجزاء مترابطة دون أن تكون متلاحمة عضويًّا، والكل ينظم الأجزاء دون أن يبتلعها، ودون أن تذوب هي فيه، ودون أن ترد في كليتها إليه، والسبب له علاقة بالنتيجة، ولكنها ليست علاقة مباشرة صلبة.
ويضع المسيري نموذج التكامل الفضفاض غير العضوي مقابل نموذج التلاحم العضوي، وتتسم عناصره بأنها جميعًا متماسكة متلاحمة بحيث لا يستطيع عنصر أن يستقل عن الكل، ولا يتمتع بمساحة يتحرك فيها بشيء من الاستقلال (وهذا هو النموذج السائد في الأوساط الثورية في العالم العربي، بل وفي العالم الحديث بأسره، وهو النموذج المهيمن على الدول المركزية القومية وعلى منظومة الحداثة الغربية).
ونموذج التلاحم العضوي هو ثمرة حقيقية لمنظومة الحداثة الغربية المبنية على القطيعة المعرفية والفعلية مع الماضي، والبدء من الواقع المادي المباشر ومحاولة السيطرة على عناصره. والتغيير يعني رفض الماضي والبدء من نقطة الصفر الافتراضية. أما نموذج التكامل الفضفاض غير العضوي فهو نموذج يحاول أن ينسلخ عن الحداثة الغربية ليستلهم التراث ويولد منه حداثة جديدة ونظمًا في الإدارة وتحريك الكتلة البشرية بأسرها.
وهذا أمر متوقع تمامًا؛ فالنموذج الانتفاضي نموذج استرجاعي ينظر للتاريخ بشكل مركب، ويربط الزمن وأطواره بشكل عميق لا هو يعيش في أسره ولا هو يتجاهله؛ فيسقط الذاكرة والحقوق، لذا يصبح الهدف أن تصبح إسرائيل فلسطين مرة أخرى، وأن تزال آثار العدوان الاستعماري الغربي الصهيوني الذي نجح في مواجهتنا بآلاته الحديثة؛ فلا بد إذن من استدراجه إلى أرضيتنا الوجودية؛ حيث يمكننا أن نحاوره حسب قواعدنا ونستلهم تراثنا.
ولذا فالانتفاضة كانت شكلا من أشكال "التراجع عن الحداثة" De-modernization، وبعث أشكال تقليدية هي إنسانية ومبدعة من التكامل الاجتماعي والإنتاج (الأسرة كوحدة أساسية – الزراعة التقليدية – المخبز الريفي – العودة لشجرة الزيتون كمصدر للحياة وللرمز الوطني) ليزداد التكامل الفضفاض والتراحم في المجتمع. ويلاحظ أن القرى التي لم تحقق مستوى عاليًا من التحديث هي أكثر القرى صلابة في النضال؛ إذ إن بنيتها التحتية التقليدية تضمن لها مقدرة عليا على الاستمرار بسبب عدم تبعيتها لنموذج العدو الحداثي الصلب الأحادي الاتجاه، وليس ذلك لبداوتها بل لأنها ليست أسيرة للحلم الحداثي في رفاهية كاملة، بل لديها إيمان بالقضية واستعداد للفداء، ولا ترى الخلاص في الدولة كما تراه رؤى العقلانية التنويرية، بل الخلاص في الجماعة والفرد والإرادة الإنسانية.
ويتطلب نموذج التلاحم العضوي حدًا أقصى من التنظيم والترشيد الكامل في إطار القانون العام والتطبيق الصارم له. فيتم التنسيق الكامل بين الأجزاء المختلفة. ولذا لا بد أن تكون كل العناصر متجانسة، ولا بد أن تذعن للقانون العام والسلطة المركزية، وتتسم بالخضوع للأطروحات الثورية العلمية الدقيقة.
أما في حالة نموذج التكامل الفضفاض فإن الترشيد الكامل والحسابات الدقيقة قد لا تكون ضرورية، بل قد تكون -على العكس- ضارة؛ إذ إن الترشيد يعني تطبيق قانون واحد على الجميع، أو مجموعة من القواعد المختلفة ينظمها قانون واحد، وهذا يتعارض مع تنوع الأجزاء وتفاوت السرعات. ونموذج التكامل غير العضوي قد لا يعمل بنفس المستوى من الكفاءة ولا على نفس القدرة من السرعة التي يعمل بها نموذج التكامل العضوي، ولكنه قادر على أن يعمل بسرعات متفاوتة في الوقت نفسه بسبب عدم وجود تنسيق صارم بين الأجزاء المختلفة (إذ يحتفظ كل بشخصيته إلى حد ما). وهو بسبب مساميته وليونته يتمتع بإمكانية الحركة إلى الأمام أو إلى الخلف أو إلى اليمين أو إلى اليسار. بل ويمكن أن تتحرك بعض أجزائه إلى الأمام وتتحرك بعض أجزائه الأخرى إلى الخلف حسب الظروف. ويمكن أن تتحرك بعض أجزائه بينما تتوقف الأجزاء الأخرى، ولذا فمقدرته على تعبئة الجماهير رغم عدم تجانسها عالية.
وهذا ما فعلته الانتفاضة من خلال تجنيدها للمجموعات (من كل الأعمار والطبقات والانتماءات الإثنية والدينية) في الأراضي المحتلة وتحريكها جميعًا بتجانس في وقت واحد، وفي فترات مختلفة، وحسب مقدرة كل قطاع داخل هذه الكتلة على الحركة. ولم تكن الحركة دائمة متطابقة، وإنما كانت رخوة ومرنة، غير ميكانيكية، لذا تمتعت بدرجة عالية من الفاعلية والتأثير، وهو نموذج فريد دفع المراقب الغربي لاستخدام لفظ "الانتفاضة" في تحليلاته؛ لأنه أدرك أنه بإزاء ظاهرة لا ينطبق عليها المعجم الغربي، وليست ثورة بالمعنى الذي طوره الغرب في تاريخه وأسسه على رؤاه.
وقد تركت الانتفاضة بسبب عدم التزامها بقانون مجرد واحد مجالاً واسعًا للإبداع الشخصي، وحولت الارتجال إلى شكل مهم من أشكال النضال الإبداعي الذي يمكن استيعابه داخل التخطيط المركزي الفضفاض. فالنضال بالحجر لا يتطلب درجة عالية من التدريب العقلاني، ومن ثم لا توجد ضرورات لدورات توعية أو حلقات تدريب ولا درجات عالية من التنوير والتسييس.
كذلك فإن نموذج التلاحم العضوي بسبب تماسكه العضوي وصلابته وافتقاده إلى المسامية والفضفاضية قادر على الحركة في ظروف مثالية وحسب، وفي اتجاه واحد إلى الأمام. ولكنه بسبب هذا نجده غير قادر على التوقف، وفي الوقت نفسه نجده مهددًا بالتوقف الكامل إن لم تتوفر له الظروف المثالية؛ أي ظروف التحكم الكامل والتجانس الكامل والترشيد الكامل.
قد لا يتسم نموذج التكامل الفضفاض غير العضوي بمقدرته على الحركة السريعة، ولكنه يعوض هذا بمقدرته الفائقة على التحرك والاستمرار تحت معظم الظروف، وعلى الاستمرار بعد الانقطاع، وهذا ما حققته الانتفاضة؛ فهي أطول حركة عصيان مدني نشط في التاريخ. لقد استمرت الانتفاضة وأنهكت العدو تمامًا، حتى إن التفكير الإستراتيجي الإسرائيلي توصل إلى اقتناع؛ مفاده أنه لن يمكن القضاء على الانتفاضة إلا عن طريق الالتفاف حولها، ومن هنا مدريد ثم أوسلو.
أيضا شيدت كل المؤسسات البديلة لإدارة المجتمع؛ أي أن الانتفاضة بهذا المعنى كانت انتصارًا لفكرة المجتمع الأهلي مقابل الدولة المركزية. واندلاع الانتفاضة الثانية دليل آخر على مقدرة النموذج الانتفاضي على الاستمرار بعد التوقف وعلى التأجج بعد الراحة. ولأن النموذج مختلف فسلاحه مختلف.. إنه لا يسعى للتصعيد الذي يدفع لمواجهة قد تكون نتيجتها إبادة الشعب؛ لأن العدو يملك أسلحة دمار شامل.
لذلك فالحجر في حالة الانتفاضة ليس مجرد سلاح استخدمه المنتفضون بكفاءة عالية، وإنما هو بلورة كاملة لنموذج التكامل الفضفاض. فاستخدام الحجر كفاءة توصل إليها الإنسان منذ أن بدأ التاريخ البشري، والحجر موجود بكثرة داخل معجمنا الحضاري؛ فيستعيذ المسلمون بالله من الشيطان "الرجيم"، ويقضون حياتهم يحلمون بإقامة شعائر الحج، ومن أهمها "رجم" إبليس وتحية "الحجر" الأسود (وربما تقبيله). وتقف الكعبة نفسها "حجرًا" ضخمًا، مكعب الشكل يشير إلى ما لا نهاية؛ إلى الإمكانيات والوعود والجنة. ويذخر شعر المقاومة الفلسطينية قبل الانتفاضة وبعدها بإشارات لا تعد ولا تحصى للأرض والجبال والحجارة.
هذا التماسك بين أفراد الجماعة يمكنها من الاستمرار في الأداء دون توجيه يومي من القيادة ودون رقابة حزبية صارمة (دون انضباط حزبي كما يقال في الخطاب الثوري)، وهذه هي طريقة التنظيم في الانتفاضة؛ فالنضال بالحجر لا يتطلب عملية تنظيم مركزية أو قيادة قوية؛ فرغم وجود القيادة المركزية فإن الأطراف ظلت قوية. فحينما يتم القبض على أحد القادة فإن الجماعة تبذل قصارى جهدها لإثبات أنه ليس بالقائد الفعلي، وذلك عن طريق الاستمرار في النضال وتصعيده.
ومن هنا يصبح القبض على القائد عنصرًا يزيد من التلاحم والتماسك والتراحم بدلا من أن يكون عنصر تآكل وتراجع. بل إنه في كثير من الأحيان ونتيجة تحسن الأداء كان العدو يستنتج أنه لم يتم إلقاء القبض على القائد الحقيقي، ويعود للبحث عنه.
ومن المفارقات أن تماسك الجماعة وفعالية كل أفرادها جعلها أكثر قدرة على اختيار العناصر القيادية الأكثر كفاءة؛ لأنه إذا كان الجميع يعرف الجميع، وإذا كان الطفل والشاب والعجوز يتكاتفون؛ فمن خلال الممارسة اليومية تسهل معرفة العناصر الأكثر حركية وانتفاضًا؛ فتصعد لمرتبة القيادة. فالتماسك هنا لم يجعل القيادة مهمة، ولكنه ضمن في الوقت نفسه وصول العناصر البشرية الأكثر إبداعًا وانتفاضًا إلى مركز القيادة!
هذا هو "معجم" الانتفاضة العربي الإسلامي، وهذه هي "قواعدها ومعانيها"، وما أشكال الإبداع الأخرى التي ولدتها الانتفاضة إلا تنويعات على هذه الأصول، فالمقاوم المنتفض لا يحتاج لسلاح مستورد، ولا لمستوى تنظيمي عال ويحقق درجة عالية من إمكانية البقاء. ويمكن تحسين هذا السلاح من داخل النسق التقليدي.
الانتفاضة كنموذج للجهاد المدني

إن الانتفاضة ليست حركة ثورة متصاعدة تنتهي بتأسيس دولة مركزية، ولا هي حركة عصيان مدني تقليدية ما تلبث أن تقودها نخبة "محترفة" للسياسة تتبنى العقلانية الصلبة وتجنح لخيارات نفعية مؤقتة بزعم أنها هي الخيارات "الرشيدة" و"الواقعية" للتحرير، بل الانتفاضة نموذج لعلاقات القوة وتمكين وتفعيل الجماهير -رجالا ونساء وأطفالا- قابل للتطبيق في المجتمعات العربية المختلفة التي "تتمتع" بنظم حكم ديكتاتورية لا تقل بطشا عن السلطة الإسرائيلية (ولا الأمريكية المحتلة بالعراق)، وهو نموذج متكامل ورؤية للكون يمكن استخدامه في إدارة المجتمع العربي بطريقة تفجر الإمكانيات الديمقراطية والتحريرية والإبداعية لدى الجماهير، وهذا ما فشلت فيه كل من الحركات الثورية العربية وأعضاء النخب الحاكمة. فإنجاز الانتفاضة إنجاز لنا جميعًا نحن أبناء الشعب العربي والشعوب الإسلامية، وهو طريقة للجهاد المدني تتراوح بين الجهاد المسلح والفداء الفردي والحركة المجتمعية اللاسلطوية للمقاومة الديمقراطية ذات فعالية عالية. ولعل عودة الانتفاضة للتجدد بعد كل محاولة للتأميم والهيمنة عليها ونشاطها بعد سكوتها يعني أن النموذج المركب الانتفاضي للجهاد لا يموت؛ فهو قد يهدأ قليلا ليراقب ما يحدث؛ ليعود حياً في أشكال متجددة تتحدى العدو وتربكه ولا تمكنه من تحقيق نصر نهائي.
إن النضال الشعبي الديمقراطي العربي الذي يمكنه تعلم درس النموذج الانتفاضي وتعميمه يجب أن يطرح ويتم تأصيله فكريا وبلورة آلياته واقعياً بتجاوز الرؤى التقليدية لما يسمى "الدفاع الشرعي العام" في كتابات إسلامية، و"العصيان المدني" في الكتابات الغربية. فإذا كان العنف كوسيلة لتغيير أنظمة الحكم المخترقة التابعة غير مطروح في أقطار إسلامية كثيرة لأسباب داخلية وعوامل خارجية؛ فإن اللاعنف قد يصبح في لحظة تاريخية جديرا بتطوير أدواته وتنويعها لضمان أعلى فاعلية وتأثير، فليس بديل النضال الديمقراطي الثوري هو الخنوع، وليس بديل الجهاد المشروع إذا اختل ميزان القوى لصالح العدو وحلفائه هو الاستسلام و"قبول" العدو أو التطبيع معه.
وإذا كانت فكرة الدفاع الشرعي العام تقوم على حرمان النظام السياسي غير الشرعي من المساندة والتأييد بسبب إهداره الشرعية الإسلامية؛ فالامتناع عن المشاركة السياسية في ظل إدارة سياسية/عسكرية تنقض ميثاق المسئولية والشرعية نتيجة طبيعية لإخلال الحاكم الوطني بواجباته، وفي مقدمتها الالتزام بإقامة شريعة الله، لإخلال الحاكم العسكري باحترام استقلال البلاد وسيادته أو حقوق الإنسان والحقوق الثقافية أو المواثيق الدولية.. بل وقرارات مجلس الأمن الداعمة لها، والتي تتقاطع مع الشرعية الدولية أو الإنسانية في حالتي فلسطين والعراق على سبيل المثال.
وكما نؤكد فهذه الأنساق القانونية والحقوقية تتقاطع وتتوازى ولا تتعارض مع الانطلاق من شرعية إسلامية، ما دمنا لا نستبدل منظومة بأخرى، ولا نعرض عن التنزيل بل نتحرك به في دوائر أوسع تعارفا وتعاونا على البر والتقوى وضد الإثم والعدوان في محيط العالمين، ومقاصد النظام الإسلامي واضحة، والشرع تقوم أصوله على فكرة الالتزامات المتبادلة، تستوي في ذلك عهود التوحيد وعقود التجارة وشروط الزواج ومواثيق الدول، وإذا تخلى الحاكم عن واجبه وأفسد بدلا من الإصلاح أو استبد بالأمر وأراد أن يجعله دُولة بين الأغنياء أو ملكا عضوضا يتوارثه السفهاء بموافقة العملاء وبطانة الدخلاء بغير مسئولية أمام الرعية أو حقوق إنسان مرعية أو تداول لسلطة ديمقراطية جماهيرية وطنية سقط واجب الرعية في نصرته وطاعته، بل وجب عليهم تلمس أسباب التنوير وأدوات التغيير، وإذا امتهن جيش دولة باغية حقوق شعب آمن وجب الجهاد، وإذا لم يتم توفر القوة فالحل -لحين استكمال العدة- هو الامتناع عن منح الشرعية لظالم أو باغ أو محتل، وهو امتناع واعٍ وليس عزوفا سلبيا، وتعامل سلبي قصدي مخطط بشكل إيجابي قد يأخذ صوراً عديدة كالاحتجاج الرمزي وعدم التعاون الجماعي والاعتصامات والمظاهرات والإضرابات وغيرها من أسلحة اللاعنف، وإن بقي استخدام القوة مشروعاً وإن ظل مرهوناً بتوفرها النسبي من ناحية، وتوازنات السياسة بين النفع والضرر للآثار المترتبة، وأهمية الالتفات للقوة الرمزية في ذهنية ونفسية المقاومة لاستمرار المقاومة المسلحة ولو بشكل محدود ومحسوب كبديل لا تتم مصادرته ولا يتم تجريمه أبداً في حق صاحب الحقوق المسلوبة، وكي لا تنسى الأجيال ولا يظن الباغي أو المستبد أن جرائمه مسكوت عنها أو منسية في الذاكرة الجماعية والإنسانية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.islamonline.net
 
مفهوم الانتفاضة.. من خيار الثورة إلى نموذج التمكين المدني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تعالوا نشرحلكم مفهوم العولمة من وجهة نظر منتدى التسلية والت

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: المنتدى الاسلامي - الدعوة الي الله-
انتقل الى: